الأحد، 2 مارس 2014

حكاية الرجل الكريم

اسمه عيد أبو زيد، وجوده في نحو الأربعينات من قرن فات، عمله يمتلك "شونيه".. والشونيه في الصعيد تطلق على مخازن الغلال، ميزة الرجل التي اُشتهر بها الكرم، ليس الكرم العادي بأن يعزم أحدهم الآخر على أجرة التاكسي أو غداء عابرة، بل صفة نشأ بها، فكان لا يتناول غداءه إلا برفقة خمسة على الأقل، يقف على رأس الشونية وينادي كل جائع، أو صديق، يقول إن اسمه طعام من الاستطعام، والاستطعام لا يكون بدون مشاركة.

كان الحج عيد متزوجاً من ثلاثة، يقمن بإعداد الأكل له، ويذهب به الصبية على صواني إلى الشونية التي كان مكانها في طريق السفر. ذات يوم نزل مسافر غريب البلدة، فسأل عن مطعم يسد به جوعه، فأشار له أحدهم أن يتبع الصينية، فسار خلفها، فوجد نفسه في ساحة مليئة بالقمح والأرز. سأل عن المطعم، فضحك الحج عيد، وطالبه بالجلوس والغداء في مطعم من لا مكان له.

واحدة من زوجات الحج عيد كانت خرساء، لكن عمي الذي عاصره، والذي سافر إلى بلاد الدنيا كلها بحكم عمله، يقول إنّه لم يذق طعاماً في حياته كطعام تلك السيدة، حين يستبد به الحنين إلى بلدة الصبا، يشعر بمذاق الطعام في فمه، كأنه تناوله للتو، وليس منذ عقود طويلة. يقول أبي إن متعة الدنيا في التذوق.. تذوّق الطعام والحب والذكريات.

ذات مرة، حمل الصبية على رؤسهم كفتة، يقول أبي إن هذه الأطعمة موجودة منذ زمن، لكن بشكل أبسط، لكن المذاق كان أحلى، ربما لأن كل فرد يرى ماضيه أجمل من حاضره، وأسهل من مستقبله المجهول. المهم أن الحج عيد بمجرّد رؤيته للكفتة، حمل الكرباج، وركض إلى منزله، وجلد زوجاته جميعهن، والسبب "إنهم عروه قدام الناس وباعتين له غدا كفتة".. "باعتين لي زبالة اللحمة". الحج عيد كان يحب البيض في الإفطار، وكانت زوجاته ترسل له نحو ثلاثين أو أربعين بيضة يومياً، حتى يجمع حوله من في السوق.

حفيد هذا الرجل أعرفه، يعيش الآن في منطقة نائية بها محطة للكهرباء، في رمضان، لا يفطر هو وزوجته، بل يقيم وليمة لكل العزُاب في المحطة، يكتظ البيت بما يقرب من ثلاثين أو أربعين رجلاً. يقول أبي إن العِرق يمد لسابع جد، يقول أيضاً إن الصفات الحسنة تُورّث والصفات السيئة كذلك.

هناك تعليقان (2):