الأحد، 16 مارس 2014

حكاية الجد دياب


هذه هي حكاية أبي الأثيرة، ربما لم يحكها دفعة واحدة، لكنه يلتقط طرف خيط لسرد واقعة كلما يخلو باله.. حكاية الجد دياب، الاسم الرابع لي، والثالث لأبي، الوتد الذي تستند إليه العائلة، ولا يملون تكرار مآثره، أظن بعضها خيالياً من فرط الغرابة، لكن أبي يدلل على صدق الحكاية بعجوز عاصره، أو طرف خيط حكاية أخرى تدحض ادعائي.


يقول أبي إن الجد دياب كان قوياً بما يكفي لأن يهاب الجميع النظر إليه، ذات ليلة أثناء استغراقه في النوم، لمحت زوجته استيقاظه، وحكه بظهره في الفراش، سألته السبب "الظاهر نحلة ولا حاجة". في الصباح، وزوجته ترتب السرير وجدت ثعباناً ميتاً من حكة زوجها. يقول أبي إنّه كان قوياً بما يكفي لأن يذهب إلى نجع ويطرده بالكامل لخلافات عائلية، النجع كان يحتوي على ستة عشر بيتاً تقريباً، أذكر أن طه حسين في سيرته الأيام كان يحكي عن شخص اسمه دياب لكنه كان في مغاغة، ومغاغة لا تبعد كثيراً عن بلدتنا بني مزار، هل كان سمع عنه طه حسين؟.. لم لا.


فطار الجد دياب اليومي كوب ضخم من "ميّة" اللفت، ثم يعقبه بمص عودين من القصب، كمسح للزور قبل أن يشرع في التهام ما في البيت من بيض مغموس في السمن البلدي. ذات مرة جلس الجد دياب يسامر صديقه، ففوجئا إن قفصين من اليوسفندي قد نفذا، دون أن يشعرا بالتخمة. أغلب حكايات أبي استقاها من والده، الذي أخبره أنه لم يشاهد الجد دياب يضحك ولو على سبيل الخطأ لمرة في حياته.


كان أن يتنحنح، إشارة لأن تدخل كل سيدة شرفتها في الحارة التي يقطنها، ذات يوم، لمح سيدة تحمل طفلها على باب المنزل، وهو مار لم تحرك ساكناً، مساء تلك الليلة، كان زوج تلك السيدة يمنحا ورقة طلاقها، لكن يقول أبي رغم قسوته "كان إنسان جداً". يحكي أبي إنّه في يوم لمح مكاري يلهب جسد حماره بالسوط "عمال على بطال" في الصعيد يكررون "عمال على بطال" ليثبتوا المداومة، المهم أن الجد دياب ساءه ما رأى، فطالب المكاري بالكف عن فعلته فاستهزىء به، لم يكن سمع عن دياب الذي يهابه أهل البلده جميعهم، ومن تبقى منهم حتى يومنا هذا، يخشون مجرد سريان طيف حكاياته، أمسك الجد بالسوط، وربط صاحب الحمار في العربة، وأخذ يلهبه بالسوط، والمكاري يقسم أنه نادم لن يكرر فعلته.


ذات مرة، وهو حاضر في سرادق للعزاء، أخذ المقريء يرغي ويزبد في الآية التي تقول "وأكله الذئب"، فقال "وأكله الذئـــــب".. ومرة "وأكله الذيــــــب"، وحين نطق "وأكله الديــــــب". حمله بكرسيه، ورماه خارج السرادق. يقول أبي إنّه يحمد الله على إن عمره لم يدم ليحضر الفيس بوك، والأحفاد الذين يستهزءون بالآباء، عندما ضحك جدي مرة في حضرته لموقف حدث، قذفه الجد دياب بالحذاء في وجهه. 


الجد دياب كان يخشى زوجته بشدّة، لم يجرؤ أن يرفع صوته عليها أو يغضبها، أحبها حباً شديداً، ولم يكن يطيق أن يراها غاضبة.

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق